كيف يبدو شكل الحياة من خلف المقود؟

سناب تشات يعيد تدوير ذكرياتنا ويصيبنا في مقتل أو مأمن أحياناً.

قبل أيام قليلة وصلتني الفيديوهات الأولى لقيادتي بصفة رسمية في شوارع الحيّ وذلك بعدما حصلت على رخصة القيادة. كنت أظن وقتها أني قد أصبحت محترفة وسائقة وقد أهلت رسمياً للانطلاق في شوارع جدة.

تمر بي تلك الأيام كحلم ضبابي لا أتذكر منه سوى إصراري على التعلّم، ثباتي وتشجيعي لنفسي، البحث عن الدعم المعنوي من الأهل والأصدقاء، والكثير من الارتعاش وضربات القلب المتسارعة حينما يطلق أحدهم بوق سيارته في وجهي أو من خلفي حينما أسير ببطيء في المسار المخصص للمتهورين. عن اللحظات الوشيكة للاصطدام والضياع المتكرر والمحاولات المتكررة لصف السيارة بشكل صحيح.

في القيادة واجهت مصاعب عديدة أولها جهلي المبرر بكيفية سير السيارة، ولأنني كبرت وفكرة القيادة كانت بعيدة المنال لم أتخيل يوماً أو أحلم أني سأجلس في المقعد الأمامي خلف المقود.

حينما صدر القرار عجزت عن النوم فرحاً، وتخيلت الكم الهائل من المصاعب التي ستزاح أخيراً على كاهل النساء، فرحت للجيل الحالي الذي لن يصدق المعاناة التي واجهتنا في المواصلات، والأموال الطائلة التي دسسناها في جيوب السائقين. عن التعب والعذاب والاستجداء لتلبية طلب تافه أو مهم كالذهاب الى المستشفى بعد منتصف الليل.

ولأني مثل جميع نساء كنت أعتقد أن القيادة ستمنحني أجنحة وقدرة على الوصول لكل ما يخطر في الخيال كنت محقة بذلك ولا زلت الى وقت قريب حينما أنتهي من القيام بمشوار شخصي مهم أسجد لله شاكره هذه النعمة التي حرمت منها سنين عشريناتي وأحمد الله أني بلغت بهذا القرار وانا في الثلاثينيات.

أكملت عامان من القيادة ولا زلت أذكر ما ساعدني على تجاوز الخوف وكأنه كان بالأمس، تدربت في مدرسة القيادة واخترت أن أتعلم من الصفر أبجديات القيادة رغم سخرية البعض وتهكمهم. سمعت الكثير من الضحكات التي تتبعها “مستحيل تسوقين” و ” ما أعتقد أنك راح تنجحين” و “من أول أسبوع والسيارة تشليح” تهزني الكلمات قليلاً ولكني أثبت وأزيد اصراري بمجرد تذكري لسنوات الجامعة حينما كنت أصلها في 6 صباحاً بالرغم ان محاضرتي تبدأ بعد 12ظهرًا. لأن الباص هو وسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت.

 حصلت على الرخصة بعد 30 ساعة من التدريب. واجهت التحدي الأصعب وهو الخروج الى ساحة المعركة الى القيادة في الشوارع الأكثر ازدحاماً والأحياء الأضيق طرقاً الى جدة المركز الرئيسي للقائدين المتهورين والساخطين من أشعة الشمس والتحويلات والحفر التي تنقب شوارعها الرئيسية.

كنت أقود في أوقات لا يخرج فيها الا المضطرين أوقات تخلو فيها الشوارع من البشر والقطط الضالة. في الساعة 6 صباحاً في أوقات العطلة في الساعة 4 فجراً في نهايات الأسبوع ولا أتعدى دائرة الحيّ جيئة وذهاباً، كنت أضحك في سرّي حينما أشاهد احدى الجيران وهو يقف ووجهه مطلي بالخوف على سيارته ولا يستريح الا حينما أخرج السيارة بقيادة ركيكة من الموقف وأنطلق بعيداً.

كان الخوف يتملكني حينما أفكر بالقيادة، تضيق أنفاسي ويتملكني الذعر الا أن سمعت نصيحتين كانت بالنسبة لي دعائم ثبات وثقة.

الأولى من صديقتي التي نصحتني بأن لا أبدل مساري الا ان كنت مضطرة والأفضل لي كمبتدئة هو المسار الأوسط.. اتبعت النصيحة ولم تعد تزعجني زمامير المتعجلين

والأخرى من أبي حينما قال لي لا تقومي بعمل مفاجئ في الطريق. تأني وخذي وقتك واستخدمي اشاراتك وكوني يقظة بما يدور حولك.

والحمدالله.. اتبعت النصائح وكنت بخير. قدت سيارة قديمة بعض الشئ ولذلك قلّ التوتر. ليس بها حساسات أمامية أو خلفية للقريب أو البعيد وكان عليّ أن اعتمد على الحدس وأحفظ مقاسات سيارتي الصغيرة تطلب مني الأمر وقتًا. حككت جانباً وخلعت صداماً لكن الأمور سارت على ما يرام هههههه.

اليوم أنا أقود باتزان واقطع جدة من شمالها الى جنوبها أصل الأرحام وأنزه الأبناء وأقابل الصديقات وبت أشتاق وأفضل الوقت الذي يسمح لي بالارتياح على المقعد الجانبي ولعب الكاندي كراش والاستمتاع برفاهية النزول أمام الأبواب.

يوماً ما سأحكي لابنتي قصة كفاحنا مع المواصلات.. كما حكت لي امي قصة السماح بفتح المدارس للإناث..

والحمدالله على أقدارنا المكتوبة وان تأخرت فقد وصلت في الوقت المناسب.

هيفا

فكرة واحدة بشأن "كيف يبدو شكل الحياة من خلف المقود؟"

أضف تعليق