حاضر في الذاكرة.. باقِِ في القلب

مر عام.. وأنا أهرب من الكتابة إليك..

أهرب من أنك أصبحت ذكرى، من أن طيفك أصبح غيمة تطفو بجانبي ليل نهار.كنت أتمنى الكتابة عنك وأنت حاضر، تقرأ الكلمات وتعرف أنك خالدُ في الذاكرة وثابت في القلب.

عمي العزيز.. الذي صحح ميزان الأمور في أعيننا، بك لم نشعر يوم بأن المرض ضعف، لم نشعر بأن العوق عجز. بك كنا نرى كل من هم على كرسي متحرك مبادرون كريمون وأقوياء الشخصية شديدي البطش.

لقد عرفتك جزءاً ثابتاً في طفولتي، ثابتًا في الحماية وفي الصرامة، وفي القوة، وفي صنع الذكريات وفي الغرابة وفي المحبة، كنت دائماً وراء الأشياء الجميلة في النباتات التي كنت ترعاها في الحوش وفي الحيوانات التي كنت تقتنيها في منزلك كنت مصدراً للإعجاب والدهشة والسبب الأول في وجود كل ما هو جديد ومستغرب!

حينما كنت طفلة، كان يعرض فلم كرتوني عن الفتاة ” بوليانا” وهي فتاة ذات شعر بني تجدل خصلات الشعر من طرفي الوجه وفي نهاية الحلقات تصاب بمرض فتجلس على كرسي متحرك لم أشعر يوماً أنها مثيرة للشفقة أو الحزن، بل شعرت بالقوة والنضال. وحينما ذهبت هايدي لمنزل الأثرياء في المدينة لتعيش مع الفتاة الحزينة ذات كرسي العجلات، شعرت بالاستغراب لم هي حزينة وهي لا ينقصها شيء مثل عمي!

في كل يوم.. وحين تغمض عيني تلوح لي ابتسامته الصافية وأتذكر ترحيبه الحار بي وبأطفالي الصغار، لازالت صدى ضحكاته تتردد في أذني وكلمة ” هلا هفوووو” حينما يراني مقبلة عليه اشتقت لحكاياته وللذكريات التي جمعتنا سويًا.

فقده يعني الكثير، وبابه المغلق جرح مفتوح في الصدر، وغياب صوته رمل يملئ الجوف، لم يترك وراءه ذرية ولكنه كان يقول أنتم أولادي الذين لم أنجبهم ولطالما شعرت بأنه كذلك فعلاً وفقده كسر في الظهر.

في أيام مرضه الأخيرة كنت أشعر بأنه سيودعنا قريبًا رغم انكاري لذلك رثيته قبل الجميع وسكبت الدمع طيلة الأسابيع التي كان فيها في المستشفى، في زيارتي الأخيرة كان يغرق في الظلام ولكن حينما أمسكت بيدي وقالت زوجته الوفيّة ” عرفتها”؟  ابتسم وأومئ برأسه وشدّ على يدي ومن تلك اللحظة لم يتوقف قلبي عن البكاء والدعاء له كل يوم.

توفي عمي بعد 40 عام من المرض ولكني لا أنظر له الا كمحارب شجاع وقلب قوي لطالما لجئت إليه في وقت حيرتي وضعفي .

ترددت كثيراً قبل الكتابة، ولكن ليالي رمضان تنقب الذكريات وتوقظ موتانا النائمين في القبور بالصدقات والدعاء

لا تنسوه من الدعاء والصدقة في هذه الأيام الفضيلة.

هيفاء

أضف تعليق