ميلاد سعيد!

31-12- 2022

عيد ميلاد سعيد!

بهذه الجملة ابتدأ صباحي، وعلى الرغم من أني لم أنس أبداً ان اليوم هو ميلادي، ولكني أردت أن أرى هذه الجملة تكتب على شاشة هاتفي. انطلقت البالونات من معرفي في تويتر وغُلفت مكعبات دردشة السناب تشات بشريطة حمراء، هكذا احتفت بي البرامج أهداني الصباح جواً جميلاً نثر لي غيوم بيضاء في السماء، وزفت اليّ النوافذ هواء منعشاً عليلاً رقصت على إثره أجراس الأمنيات المعلقة في صدري.

في الأعوام الماضية كنت أدخل العام الجديد وجيوبي محشّوة بقصاصات عادات جديدة أود اكتسابها وعهود أكبل بها روحي الحُرة وخطط أقيد بها مساري الطليق وبينما كنت أسير نحو العمر القادم أقبض بيدي على بذور كثيرة كي تألفني الأحلام ولا تسافر عني في مواسم الهجرة.

أنا الآن أخطو نحوه متخففة من كل شي، لا أحمل زاداً ولا ماء، آكل ما يضع الله لي من رزق في الأرض وأروي عطشي من ماء السماء، أنصب ظهري بسند الله وأتوكأ على أكتاف عائلتي، عصافيري هم أطفالي، آمالي هي كتبي، وقلمي هو عصاي الذي أهش به على ألمي.

سلاحي هو ثباتي.. أجمل انجازاتي هو أني درّبت قلبي على مواجهة الذئاب، لم أعد أرى أن التودد لها وسيلة لتألفني والتربيت عليها سيحميني من افتراسها لي ليلاً.. تخليت عن الوثوق بها وعن اعلان الحرب. كانت الخطة هي أن أطلق عليها من مسدسي رصاصة التجاهل والنسيان وأدعها تتبخر في الفضاء.

لقد تصالحت مع وجودها في محيطي كفكرة أنها ضرورية لتبنى أسوار التوازن في روحي، كي لا أغرق في برك العطف وأسند ظهري بدعة على أشجار الرخاء فأنسى قوة المقاومة. الأمر الطبيعي في الحياة هو أن يظل هناك شيئاً تخشاه ثم تحاربه فيمزقك ثم ترضخ له فيستحلك، ثم تنهض وتقاوم فيضل يحوم حولك متأهباً الهجوم.

 لقد صددت الذئاب بقوة لامبالاتي لا ألتفت لعوائها وتنتظرني كي أطعمها خوفي ولطالما أطعمتها كي تصمت فبصقتها في وجهي لقد ملت الخوف الصامت و اعتادته فعادت لتطلبها ممزوجة بالذل أو البكاء ولكن اللعبة انتهت الآن.

ما يحدث هو أنها أصبحت تتأملني وأنا غارقة في حب من حولي محاطة باللطف من كل الأشياء، يعوي كبيرها فتهرب الكائنات الجميلة لمكان آمن أكثر وحينما يبتعد القطيع تعود الي بشوق أكبر لتعوضني عن كل الليالي التي بت فيها راضية بالبرد قانعة بالوحدة..هكذا كان الأمر.. بدت كل الأشياء جميلة بالتقبل، وأشرقت في قلبي شموس كثيرة حاسرة كل أشباح الخوف والوحدة بعيداً..

لقد جرحني العام الماضي بأيامه الحادة جروحاً مؤلمة عميقة وبلا أسباب واضحة كانت غائرة حد احتكاكها بالعظم.. لعلها بحثت عن مواطن رواسب الجروح القديمة التي دفنت بدمها وصديدها وعفنها لتفتقها لتخرج جذور الألم منها ثم تركت للأيام مسئولية برئها.. الآن اندملت الجروح وأصبحت أتلمس الندوب بابتسامة ونظرة حانية.

أتمنى لو كان باستطاعة المرء بأن يصنع أياماً طازجة يضعها على نوافذ الأحباب.. لو كان باستطاعتي أن أغزل من الضحكات أوشحة لعائلتي لو كانت لي القدرة أن أضع في جيوب أصدقائي عملات محبة لا تنقص، لو أمكنني أن أمتلك مناعة فولاذية أضم اليها أرواحهم لأحميها من كل داء وأطرد بإصرار لا ينفد كل غربان الحزن وآفات الغم.

تكسرت أعمدة كثيرة وباتت خيمة الحياة من فوقي مائلة ولكني أرى رؤوس أسس بناء جديد على بعد خطوتين مني.. لم أعد اسعى لشيء سوى أن ألمع سراجي ليكون أكثراً سطوعاً من حولي ويحجب ما عداه.. أيقنت ان من الجميل أن أعيش في بقعة ضوئي ولا أرمي بصري للبعيد فتعمى عن محيطي.. أن لا أسمّر نظري للظلام فأترك لوحوش الأوهام فرصة الانقضاض علي..انظر الى السراج لتأنس بالنور وتدفئ به روحي وأرى بوضح جمال ملامح من حولي، أراقب أثر مرور الأيام على وجوههم وأتتبع أثر نموّهم البطيء المستمر السعيد.

أضف تعليق