هل أصبحت ذلك الشخص الذي لا يشبه نفسه؟

حسناً سأجيب على هذا السؤال ..

ما أكبر الفرق بين ما مضى و ما هو آتِ ما بين صباح اليوم والبارحة ، لم يكن الموقف الهجومي الشائك الذي واجهته سهلاً ولكن يبدو أن جلدي أصبح أكثر سماكة وقلبي أكثر صلابة مما توقعت.

للمرة الأولى أعترف بشجاعتي أمام نفسي وذلك لأني اخترت التجاوز بكل إصرار. فحينما تلطخت ثيابي بالوحل بفعل أيدي عابثة في صباح مرتبك وأنا في طريقي نحو اجتماع هام، تنفستُ عميقاً ثم توقفت جانباً وخلعتها أمام أقرب سلة نفايات بلا أسف وبكل هدوء وتماسك أخرجت من حقيبتي قميص أبيض ناصح وأعدت رسم شفاهي بلونِ وردي ناعم وابتسمت بتألق، ومشيتُ سليمة تماماً بدون ايه شوائب لغضب أو آثار اهتزاز.

تغيرت الأشياء عندما انتميت لصورتي الحقيقية بخدوشها وأطرافها المتآكلة وورق طباعتها الأصيل اللامع، بت أشعر بشكل ما معنى ذهاب الليل ليأتي خلفه النهار وبأن كل نهار خلفه ليل ويوم وعام. ليس بالشكل الذي نعرفه كحدث تلقائي كوني بل لأن كل الأشياء ليس لها شكل ثابت. وبدوت أكثر ارتياحاً لأني وبكامل ارادتي فتحت جميع قنواتي لعبور الخير وتصريف الشر بدون أن أكتنز منها ايه أجنحة بيضاء أو قرون حمراء وشوكة.

لم أكن أعرف أثر القسوة عندما يخبئ الإنسان جراحه وبت أكثر حرصاَ في انتقائي لمن أريهم مواطن الكدمات في جسدي، وأسمح لأيديهم العطوفة بالتربيت على ظهري المقصوف، وبأن أميل بكل اطمئنان للاتكاء عليهم بطفولة حينما يغمرني التعب، بلا أي خوف من الندم أو شك في وجودهم الحقيقي القابل للاختفاء.

قلبي مأسور بالحنان..بالرقة واللطف والجمال، وأجد أني أجيد تتبع روائحهم الدافئة بين الأشياء والكلمات والمواقف..ألتمس اللين بين الأشواك، وأحاول بأن أتحسس بأطراف أناملي قدرتها على شفاء التورّم، وأمتن كثيراً لغشائها البارد حينما كمد بلطفِ قلبي المحترق.

أن أمتن لكل خير في هذا العالم هو ما سأتذكره وأنشره وأحض عليه من تلاصق أكتافهم أكتافي في الصعاب، بمن تنام يدي في يدهم دون أن تخشى الأذى وبدون أن يجفل جسدي برعب حينما أسمع صرخة خاطفة تتبعها ضحكة مدوية سعيدة وكم أحب أن أنتبه لهذا الضجيج المرح بين أكواخ الصمت المظلمة.

أشعر بأن داخلي بات مصقولاً  كالفولاذ أملساً  كالكروم لم أعد جداراً خشناً تلتصق به بقايا كلمات الآخرين فحينما أرشق بكلمات فاسدة واتهامات لزجة تسيل سريعاً تحت أقدامي مخلفة ورائها أثر بسيط أستطيع مسحة بأغنية لطيفة وكوب قهوة.

أفكر كثيراً في طي عقدي مع الماضي، أعتقه في صندوق محكم أضعه فوق خزانتي، يعجبني أن أراه أمامي وأفتخر بوجوده دائماً لأن مسامير أخشابه مأخوذة منّي من عظمي ونسيج أوراقه مغمور بعرقي وكل الابتسامات الطافية على سطحه هي طفولتي وشبابي وخطواتي الأولى على هذا الطريق. ولكني لم أعد مهتمة عن نبش موقف حاد ولا أريد أن أبحث فيه عن صورة تأخذني للضباب العدميّ البعيد.

ستشرق شمس يوماً ما بين الغيوم، شمس ليست كالشمس التي تشرق الآن شمس أراها تشرق من أجلي، من أجل أن تطرح كل الظلال جانباً وتطعن في سطوة الظلام على النور، شمس جديدة واضحة ثابتة تعرفُ الطريق وتثق بأن كل النهايات وان لم تكن متوقعة خير وإن لم تكن كذلك.

يوم الاثنين

25-5-1444 / 19-12-2022

تكثّف..

رغبة كثيفة لصمت مستمر، للانزواء الى صخرة عالية فوق سفح سحيق.
لا أرى بروزاً في الملامح، كل الوجوه متشابهة
كل الأيدي تريد لمس الناعم من الأشياء.
تريد أن تلمس الضحك المستدير والحديث المنسدل وأن ترى عينان تنضح بالأمل .
في هذه اللحظة بالذات أنا أجف.
ويخيل لي أو ربما لا يخيل أن الشمس بداخلي ستغطس في غروبِ طويل
وأن الحقيقة التي رسمتها لم يفهمها أحد وهذا ما يجعلها حقيقية تماماً بالنسبة لي.
أن الطريق الطويل الذي تنازعني الرغبة في الهرب إليه
طريق طويل وأعرف أنه طويل وأحب ذلك.
ولكن مالا أحبه فيه هو أنه يعود بي دائماً للمقعد البلاستيكي الأول
المركون في الزاوية، المقعد الذي تركته عنده أطفال أحلامي جائعين.
يحرثني منجل لايتوقف ..وتدق في قلبي ساعات كثيرة
ويطير فوقي طير لا أعرفه.
تناديني يد الظلام لأختبئ أسفل طاولة خشبية، محاطه بأشخاص لا أعرفهم،

أذكياء ووسيمين وتتسرب من أطرافهم رائحة لا أحبها تشبه المرض.
يتساقط علي الفتات من حديث مزيّف.
وأكاذيب عديدة.
من أنا كي لا أخاف
من أنا كي لا أهزم بانهيار السقف فوق ألعاب الأطفال الأبرياء.
في جيبي بذور خضراء لها رائحة حديقة
وفي حقيبتي قصاصات فريدة
لغائبين وتائبين وهاربين.
وفي يدي فتات خبز
قد اقتسمته يوماً معهم ونحن متكئين على جدار من الشعر
تحت نافذة عتيقة .
أرتدي الصمت وتمسك بخاصرتي يد الأغاني، أتكئ عليها
وأطلق للنغم اللطيف أطراف شعري
أصاحبه، أراقصه وتتساقط مني البذور
والأقلام
ومناديل وأقلام شفاه
وابتسامات مريرة
أرقص أكثر
فيلين بي كل ما قد تحجر
وأسيل كنهر
بين شقوق الطريق الرفيعة.

*لوحة “الوجه الباكي” للفنان التشكيلي السعودي عبد الله العلي

تأملات في مذكرات المتعلّمة لـ تارا ويستوفر

بدأت قراءة مذكرات “المتعلّمة” منذ شهر 18 اكتوبر الشهر الماضي وانهيته في الـ 13 من نوفمبر، كانت رحلة طويلة ومليئة بالخدوش والطبطبات ولكنها ممتعة وشاقة في الوقت نفسه، تحكي تارا ويستوفر قصّتها عن بلوغها رحلة التعليم والصراع مع العائلة بأسلوب واضح وعذب ومليء بالتساؤلات، تارا ضحيّة أفكار ومعتقدات دكّتها بعنف تحت جبل بيكس باك، فقد عاشت في كنف عائلة من الطائفة المورمونية المنعزلين عن العالم الخارجي حيث يرفضون الأطباء والادوية ويمنعون أطفالهم عن الدراسة في المدارس ويخزنون المربى والعسل وجوالين البنزين في قبو تحت باحة الخردة استعداداً لليوم الذي ينتهي فيه العالم.

يتكون الكتاب من 543 تحكي فيها تارا عن صراعاتها الداخلية ومكاسبها من التعلم الذاتي ومحاوله خروجها من قوقعة العائلة والبحث عن أصدقاء في عالم لاتفهمه حتى حصولها على الثانوية والتحاقها بمنحة خولتها للدراسة بكامبردج ثم هارفرد التي تعد من أعرق الجامعات في العالم حتى حصلت على شهادة الدكتوراة في التاريخ وهي تبلغ من العمر 27 عاماً .

الكتاب يشعل في الرأس تساؤلات كثيرة عن قوّة الانتماء وتشبث تارا بأيدي عائلتها الخشنة حتى بعد أن جرّبت حياة المدن والاستقلالية والانسلاخ من الأحكام، عن آمالها الخائبة حينما تعود في كل عيد ميلاد لأسرتها وهي ترى أمها تمارس العلاج بالأعشاب وأبوها لازال ينبش في باحة الخردة ، تعود حتى تواجه نظرات أخيها التي تسحقها كحشرة وعن الصفات التي يرميها بها ويجعلها تشعر أنها أحقر من بصقة على جدار وتصدّق أن العالم والعلم ليس لها وأنها تنتمي رغماً عنها لهذا المكان حيث تعشعش الأكاذيب والخرافات كالعناكب في أركان المنزل.

لقد شعرت بالانتماء أيضاً نحو تارا فنحن متجاورتان بالعمر، لقد شهدنا احداث 11 من سبتمبر في مرحلة المراهقة وأخذت أتذكر كيف كان وقعها مرعباً على فتاة تدرس الثانوية في قرية نائية على سواحل الحجاز في المملكة وكيف مرّ الموضوع بشكل عابر على فتاة أمريكية تتعلم منزلياً وتعمل بيدين تملئوهما البثور في فصل اجزاء النحاس عن الحديد في باحة منزلها في ولاية ايداهو.

السيرة تستحق القراءة جداً وترجمة خالد الجبيلي تستحق الاشادة ، جودة الطباعة وحجم الكتاب ممتاز حيث طبعته دار مدارك مرتين في عام 2020 وأدرج تحت تصنيف المذكرات ، حصد الكتاب العديد من الجوائز والأوسمة وحصد مبيعات هائلة حسب تقارير النيويورك تايمز.

من الغريب أني لم أجد أي تعليقات في صفحته العربية في القود ريدز سوى صديقة الكتب بيان سندي التي علّقت بالعربية وكتبت انها تتمنى ان تترجم للعربية حيث قرأتها بالانجليزية في 2019.

انتهيت من الكتاب قبل أيام ولازال أضعه في مكان واضح لأنظر إليه وأنتقل به من مكان لآخر مع اغراضي الباقية …ربما كي لا أنسى أن الحياة تمر بتعرجات كثيرة ومنعطفات خطرة ومواقف قد تفقدك صوابك ودوامات قد تنسيك من أنت، لكنك ستنجو، بصبرك وأيمانك وبالأيدي التي تمسك بك وان باعدت بينك وبينهم المسافات، ستمرّ هذه الأيام وستصل ربما بخطوات مرهقة وأصابع دامية لكنك ستصل أخيراً وترفع راية السلام في وجه العالم.

هيفاء

16-نوفمبر-2022

مالذي يحدث فينا حينما نقرأ لـربيع جابر؟

في يوم الخميس الماضي حينما كان مزاجي ملبداً بالغيوم والضباب، التقطت رواية “دروز بلغراد” ولأن لغة جابر أعذب مما ينبغي اخترت أن أحزن معه.

قرأت له من قبل ” أمريكا” و ” الاعترافات” عرفته مصادفة وبلا توصية أو حديث، لفتني عنوان روايته” أمريكا ” في متجري المفضل لشراء الكتب المستعملة ونقرت على إضافته للسلة مع مجموعة من الكتب الأخرى، نامت أمريكا على رفيّ قرابة السنة، وفي لحظة سأم انتشلتها وبعد عدّة صفحات وجدتني أسافر في باخرة قديمة من بيروت مع قرويّة لبنانية اسمها مارتا لنبحث معاً عن زوجها الذي توقف عن إرسال الرسائل لها من أرض الغربة.

أعجبني جابر، الحقيقة أنه أدهشني وحينما تدهشني الأشياء وأنا بهذا العمر انتزع رغبة طفولية قديمة بتتبعها فأصبحت أتتبع رواياته بين المتاجر والمكتبات لأضعها في مكتبتي.

بعد عدة أشهر حصلت على “الاعترافات” من نفس المتجر – أعتقد أن الكتاب كان لمدقق لغوي كان يصطاد الأخطاء القليلة ويصححها بقلم رصاص مبريّ بدقّه – مما جعلني ابتسم في كل مرّة اصادف فيها تصحيحه الأنيق، ولأنه كان كتاباً صغير الحجم كنت ابالغ في إعادة قراءة الصفحات، وأتتبع الأسئلة الكثيرة التي كانت تفرّ من رأس الشاب “مارون” لأبحث معه عن الإجابات نسيت الاحداث تقريباً وبقيت حركاته وهواجسه الليلية تظهر أمامي كلما تذكرت.

لم أشترِ “دروز بلغراد” للأسف وهذا يعني أنني استعرته ولأن نزاهتي لا تسمح لي باللصوصية إلا أني أمام الكتب أتحول لسنجاب يخبئ طعامه فما استعرته من الكتب وأعجبني سيكون من الحمق وقتها أن أعيده ثانية للذين لا تعني لهم الكتب شيئاً بعد قراءتها “لميس لا تقرأين”

لنعود الى دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب المسيحي من بيروت يسكن بجانب كنيسة مار إلياس والذي وقع ضحية الحظ السيئ حينما باع البيض في الميناء الذي تم منه ترحيل الدروز الى بلغراد بعد الحرب الأهلية التي نشبت بينهم وبين المسيحيين المارونيين في لبنان.

لقد ابتلعتني الرواية فعلاً ..أقفلت علي في صندوق سحري معتم تكومت في ركنه وشاهدت حياة حنا يعقوب وهي تعرض على حيطانه الأربع، لقد فصلتني الرواية عن الزمان والمكان ولم أكن أشعر الا بأكوام المناديل الغارقة وهي تتراص بجانبي كندف الثلج..

شعرت أني اختطفت! ولذلك عليّ أن أرفع قضية أدبية على ربيع ويكون حكمها أن عليه كتابة رواية جديدة والعديد من الرسائل لشابة في منتصف العمر كادت أن تقضي نحبها وهي تبكي على حنا يعقوب في احدى البنايات الكئيبة بمدينة جدة .

العبارة التي أقفلت من أجلها الكتاب وودت لأركض لآخر الدنيا وأصرخ وأنا أبكي حينما دفعوه الحراس وطرحوه أرضاً وسمع صوت قاسم وهو يقول له “سامحنا ياحنا ” كلمتين استطاع بها جابر أن يبكيني بحرارة وهذا للأسف ينفي صلابتي المزعومة.

بالعادة لا تعنيني الروايات الفائزة بالبوكر ولا أحرص على قراءتها لأنها تفوز، ولكني قرأت دروز بلغراد لكاتبها، وأرشحها بشدة لمن يريد إحياء جثة السرد الأدبي الحقيقي ولغته الفريدة.

تعد الرواية من أدب السجون ولم أشعر انها كذلك انما شعرت انها رواية لشخص سيئ الحظ انتظرته هيلانه وابنتها بربارة أمام باب منزلها 12 عاماً لكي يعود.

حينما تتبعت أخبار ربيع جابر وجدت أنه “حوت بشري ” اختار أن يقضي حياته في العمق بعيداً عن الأضواء فلن تجد له مقابلات أو ايه صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي هو يعيش كناسك يقرأ كثيراً وحينما يصهل قلمه يستجيب له بلا دوافع أو قيود.

شكراً  لقراءتكم ولوجودكم هنا.

هيفاء

24 أكتوبر 2022

رواية “العمى” لـجوزية ساراماغو

 رواية ستفتح بداخلك عيوناً كثيرة على الحياة.

عدد الصفحات :318

ترجمة: محمد حبيب

الناشر: دار المدى

ان كنت تستطيع أن ترى، فانظر

وان كنت تستطيع النظر، فراقب *

ستعرف وأنت تقرأها بأن الإنسان يعيش أنواع كثيرة من العمى وما البصر سوى ضوء يعكس الأشياء. وبأنك ترى بقلبك قبل عينيك وتتلمس مواضع الأشياء بذاكرتك وأن روحك أجنحة للخير وأقدامك معاول لحرث الشر إن طاوعت الشيطان الضاحك بداخلك.

تحكي الرواية عن وباء يعم البشر فيأخذ أبصارهم ويجعلهم يغرقون في بياض حليبي لانهاية له، تسير الأحداث بانتظام وبرتم معقول الا أن نبضك سيتسارع في الجزء الأخير منها لمعرفة كيف سينتهي الأمر وبين صفحة وأخرى ستنبت في رأسك تساؤلات كثيرة وتغرق في تأمل سرمدي لطبيعة البشر العجيبة.

ستتأمل أسباب الصراع الأبدي بين أن تحافظ على إنسانيتك في ظل غياب الظروف وبأن تعرف متى تظهر مخالب الحيوان بك حينما تحتاج إليه، لم تكن في الرواية أسماء للشخصيات، كانت أوصافاً يستدل بها الراوي العليم لوصف العميان ” زوجة الطبيب، الفتاة ذات النظارة الشمسية، الطفل الأحول، العجوز ذو عصابة العين” لم يكن للأسماء أي أهمية كما أن الأوصاف والأعراق والطبقات الاجتماعية تغيب أيضاً لأنها ستختفي جميعاً في البياض ويبقى الهاجس هو الحفاظ على معنى للكرامة المتبقيّة في الأجساد العمياء.

حينما قرأت الرواية سمحت لنفسي بأن أصدر حكماً قاسياً وأقول بأن داخل كل إنسان حيوان مختبئ يظهر بلا تردد في غياب الظروف التي تحكمه بأن يبقى إنساناً.

وحينما انتهيت منها وكعادتي في تأصيل فكرة عظمة الخيال البشري على آلة السينما شاهدت الفلم الذي غيّب أحداثاً كثيرة منها ومشاهد كانت تتكثف بها مواقف هزت سكوني وغابت أحداث رسمها خيالي بشكل كدت ألمسه وأشم رائحته فكنت حينما أقرأ  أكاد أنفض عن جسدي شعور الالتصاق بسيل لانهائي من الأجسام المتعرقة والأيادي الممدودة الباحثة عن مكان آمن تلجأ إليه.

لقد غرقت في هالة غريبة بعد الانتهاء من الرواية والفلم وانتابني شعور لزج غريب لم أستطع تتبع مكان نبعه، شعور يذكرني بأن لا ملامح حقيقية للحياة وأن كل الأشياء متوقعة وأن الضوء بإمكانه أن ينطفئ من جميع الأشياء وبلا سابق إنذار ولكن النور بداخلك هو من يرشدك إلى الضفة الأخرى الأجدر بالعيش.

الحياة مزحة لا تحتمل التصديق وضحكة طويلة بأعين باكية مما يعني بأنه يحال فهمها، ولكن يظل بيدك أن تصنع آلة السعادة والضوء بداخلك.

اقتباسات من الرواية:

“لقد أمضيت حياتي أنظر في أعين الناس، إنها الأجزاء الوحيدة في الجسد حيث لاتزال الروح موجودة فيها”

“الحب الذي يقول الناس إنه أعمى ، له صوته الخاص “

“يجب أن تكون صبوراً، أن تترك الزمن يأخذ مجراه، يجب أن نكون قد تعلمنا مرة واحدة وإلى الأبد أن القدر سيتقلب كثيراً قبل أن يصل أي مكان”

“كانوا يحلمون بأنهم حجارة ، وكلنا يعرف كم هو عميق نوم الحجارة”

“بدون الأعين تغدو المشاعر شيئًا مختلفًا “

“إن أصحاب القلوب القاسية لهم أحزانهم أيضًا “

“إن بصري يتناقص مع مرور الزمن، على الرغم بأني قد لا أفقد بصري بل أني سأزداد عمى لأنه ليس هناك من ينظر إلي ويراني “

* اللوحة للفنان بيتر بروخل

*كتاب المواعظ.

لــو مـلكت الـحقول فـي الأرض طـرا..لـم تـكن مـن فـراشة الـحقل أسعد*

في زمن ما كنتُ قشّة، تتراهن الرياح على أي جهة تقذفني، كان زماناً وانقضى ومنه تعلمت أن أصنع بهزائمي وخيباتي وحطامي معجوناً أبني فيه جداراً صلباً يحميني من الألم . هناك أشياء كثيرة لم تعد تهزني كما كانت في السابق، أتعامل معها بإشاحة الوجه والتجاهل وتمضي في طريقها كمجموعة من الصبية المشاكسين.

في المواقف الشائكة أحاول التماسك، وأعتقد ان الانسحاب خيار مثالي بالنسبة لي إن كان خصمي من ” الغالين” حينها ستعمل عجلة التفكير في طحن كل حبوب الأسئلة باستمرار، عقلي سيتكفل بمعالجة اللوم والإحباط القلق وجسدي سيطرد النوم كوسيلة ودودة من جلد الذات ، لذلك أخفض الأشرعة وأمضي قدماً الى أن يصلح الوقت الغشاء الذي خدشته الأيام.

على صعيد آخر كنت غالباً ما كنت أتوشح بالفأل وأتوكأ على الخيرة لكن مالم أتخيل حدوثه هو أن ” يثقبني الأمل” أن ينخرني “العشم” لم أكن أتوقع أن ذلك سيجعلني أجمع من أجل ذلك أجساماً مضادة من عصارة الأحلام المذبوحة على عتبة الحياة وأتوقى من الثقوب والوخز بالتمسك بالعادية المريحة أحتاج لروحي السلام ، أحتاج التسليم المُبارك والأيام المتكررة الآمنة

يبدو أن هناك الكثير من القرارت تحدث بمركز عملياتي الداخلي، هناك صخب وضجيج يتحتّم علي إسكاته، أحتاج أن تغوص قدمي في الرمل البارد وأطلق عيني للفضاء الرحب، أزلت كل مواقع التواصل الاجتماعي المتكدسة وأزلت كل البرمجيات التي لا أحتاجها فعلياً، أنا الآن في بداية المرحلة ومن يعرف إلى متى سأستمر، ومتى سأتوقف.

كل ما ذكرته سلفاً هي محاولات جادة لأصل لمرحلة ما من الأمان النفسي، فتحت نافذة قصيّة في قلبي لتطير منها الطيور الطنانة والمشاعر المبهمة والأحلام المجهضة كنست الروح بالصمت، وأزلت الكراكيب وارتاح بالي للسِعة والفراغ ولازلت أفكر بالنبتة التي أعدت التفكير في أمرها لن أسقيها بنصف الكوب، بل سأتكلف في شراء أصيص جميل لها وتربة ممتازة وأسمح للبكر من أشعة الشمس بلمس أوراقها، أحتاج أن أتعامل من كائنات غير ناطقة نتبادل المحبّة والهواء ذاته بلا تكلّف وأسباب. أحبها فقط لأني اخترت ذلك.

لنأمل أن المرّ سيمرّ لن ألطفه بالحلوى أو أغير مذاقه باختلاق الأفراح..أنا أسعي لأعيش حياتي مارّة بكل المسارات لا أقفز الحواجز ولا أختبئ في الزوايا..

أحاول أن أستعد لمواجهة الريح والمطر الذي يتبعه والشمس التي ستشرق أخيراً وتجفف ما تبلل من السعادة.

* ايليا أبو ماضي

أحاديث لاتهم أحداً.

ليس هناك معنى للأشياء المتشابهة. وكل التوقعات التي نتحرّى لتحقيقها تغادر هكذا فجأة كعصفور حطّ على النافذة ثم ارتعد وطار بعيداً.

قبل قليل طرأ لي التفكير عن الأحداث الأبرز في أسابيعي الثلاث المنصرمة، وحينما استرجعتها وجدت أنها صراعات، صراعات كثيفة ومركزّة لا يمكن للمرء تجاوزها ببساطة ولأني أصبحت مؤخراً أكثر رفقاً بي من الأيام فقد سامحتها.

عموماً لأن الأيام كانت حلزونية وبطيئة أنهيت بها متابعة مسلسل 2020 على شاهد، نادين نجيم ممثلة مختلفة ولأني أحن للأيام التي كنا نجتمع حولها كعائلة على مسلسل واحد كان اختياري لمسلسل عربي كي لا اضطر لتصويب مسدسي نحو التلفاز إذا عرض مشهد مخل أمام الأطفال.

أنهيت أيضاً رواية بيوم واحد لستيفن زيفايغ بعد أن أحبطتني رواية ما قرأت منها 500 صفحة تافهة ولم أندم على تركها تنتحب على الرفّ.

أنهيت كتابة محتويات إعلانية لمتاجر إلكترونية واتفقت على خطّة نشر مبدئية.

أنهيت الكثير من قوارير المسكنات وخافضات الحرارة على أطفالي ونفذت مني علب مناديل كثيرة وأنا أحاول تنظيفهم من آثار المرض ومسح آثار التعب والإرهاق على وجهي المنطفئ من السهر، كانت لحظات السكون معدودة وقصيرة الأجل ورغم أني وعدت نفسي على ملئها بالكتابة حينما تأتي صباحاً إلا أني وجدت نفسي نائمة على الأريكة وأمامي قهوة فرنسية من بارنز أنهيتها وأنا أحاول مقاومة النُعاس.

نصيحة صغيرة: لا تفوت عليك طلب ثنائي كعك التمر مع القهوة الفرنسية بالبندق لديهم هو مزيج يخترق كل حدود القارات ليجمع البندق مع التمر ولكنها ينسجمان معاً كما تنسجم الكليجا مع القهوة الأمريكية.

ماذا عن البدايات؟

انتظار نتيجة مقابلة عمل -وأطلب من الله أن يختار لي مافيه خير وصلاح لأمري-

البدء في قراءة أكثر من كتاب وقد اخترت ” مختصر زاد المعاد” في أوقات اليقظة الذهنية وفي الأوقات التي أريد أن يذهب بها الخيال في نزهة فقد اخترت لها رواية ” العمى” لساراماغوا.

لست متأكدة من البدايات ولكني أضع قدمي على درجات جديدة وأتمنى أن يحالفني الحظ في بعض الفرص التي أحاول اقتناصها.

أفكر أن أقتني نبتة، أشعر أني بحاجة ماسة لروح تبادلني الصمت ولا تطلب سوى المتبقي من كوب الماء الذي بيدي وأشعة شمس تتسلل من النافذة.

وأسعى كذلك أن أكف يدي عن إنفاق المال لأجمع ما يكفي للحصول على حصيلة جيدة من معرض الكتاب القادم بجدة ، هل هناك توصيات؟ أتذكر أني وضعت قائمة للكتب التي أتمنى شرائها واحياناً أفكر أني قد أذهب للتسوق دون أي تخطيط مُسبق..

  • كل ما كتبته هنا كان على سبيل الفضفضة، ولو كانت زاوية العجوز لاتزال موجودة في مجلة سيدتي لقمت بمراسلته وقضاء وقتي بقراءة ردوده “القاصفة للجبهة ” في ذلك الوقت.

هيفاء

18 سبتمبر 2022

الحب في زمن الكوليرا

أتوقف عن القراءة غالباً حينما يشغل بالي أمر أو تأكل أيامي المشاوير المهمة وبدورها تنتقم وتوليني ظهرها وهي ممتعضة، لا أصالحها غالباً لأنها مُحقة ولها الحقّ في السيادة على وقتي وأعلم أني مخطئة حينما أهنتها بقضاء وقتي مع ” candy crash” بدلاً عنها.

عموماً، صافحتها في بداية العطلة ومدّت لي رواية ماركيز “الحب في زمن الكوليرا” لأنني كنت أشبه بآلة في الشهرين الماضين ارتأت أن تعطيني كتاباً رومنسياً من عنوانه، لو أن ماركيز استبدل العنوان بآخر لما خجلت من حمله معي للقراءة في صالات الانتظار.

كانت رواية مراوغة جداً وتشبهني في أشياء قليلة اكتشفتها حين انتهيت من قراءتها. الخمسون الصفحة الأولى كانت سهلة ويتدفق بها السرد كنهر صغير لطيف، ولكن البحيرة التي جاءت بعد النهر كانت مملة الى الحدّ الذي رغبت فيه عن إكمال الرواية، هنا يبدو أن ماركيز تعمّد أن يعطيني مجالاً للهروب قبل أن يدفع بي من أعلى الصفحة 300 الى 445 بلا رحمة. فتواترت الأحداث بشكل مخيف وتحول حب فلورينتينو اريثا  لفيرمينا داثا  اللزج الى حب زئبقيّ امتلأت به تجاعيد الشيخوخة، وتوّرد منه القلب الهرم.

كنت قد أطلقت تغريدتين ربما أو أكثر عن إحباطي نحو هذا العمل العظيم الذي يتغنى به القُراء ولم أراه كذلك. هل ذائقتي تهاوت؟  أو ربما لم تحسن مخيلتي التقاط الخيوط لتنسج قصة حب فرمينا وفلورنتينو بشكل جميل وساحر كما فعل جميع الهاتفين بروعة الرواية.

حينما تأملت الأسباب التي دفعتني لإكمالها حينما سقطت في وحل الملل رأيت ان تأملي لقوّة سرد ماركيز كان أعظم الأسباب فهو يكتب بطريقة لولبية عجيبة فبها يلتقي طرف الماضي بطرف الحاضر بدون أن يظل القارئ الطريق أو يتوه بين الأزمنة وهذا ليس بالأمر السهل، احترافيّة الكتابة تكون في نقلك من مكان لآخر بدون أن تشعر بأنك تقفز بين الصخور و تمشي على الماء .

وكعادتي التي ابتدعتها بوقت قريب أنه بعد أي عمل روائي اذهب لنظيرة في السينما كي أثبت لنفسي أنه لا شيء أكثر روعة من قراءة الحكايات وصنع شخوصها في الخيال. شاهدت الفلم وشكرت نفسي لأني احتفظت بملامح شخصية فلورنتينو و خوفينال قبل أن يجسدها الممثلون، وجفلت لأن  نظرات فرمينا  وعيناها الباردتين كانت تشبه لحد كبير تلك التي رسمتها في عقلي.

كدت ان أقترف أمراً غريباً حين انتهيت من الكتاب ولأني حصلت عليه من متجر لكتب مستعملة كان على صفحته الأولى اسم لفتاه مكتوب بخط صغير بقلم أزرق له حبر كثيف وبحروف متلاصقة بالإنجليزية وتحته دونت رقم هاتفها النقال وبدافع الفضول بحثت عن اسمها في مواقع التواصل الالكتروني وخطر لي  بأني سأسعد بمتابعة فتاة تهتمّ بالكتب ولكن كل الصفحات التي لها نفس الاسم مختومة بقفل الخصوصية.

ولأني الكتاب امتلأ بالتخطيط على يدي فلقد أحطت على كل عبارة لكزت قلبي أو جملة أدهشتني بطريقة بربرية بالأقلام ولأن انهاء الكتاب استلزم وقتاً طويلاً بسبب الاجازة  تنوعت سبل التخطيط فتارة بالقلم الوردي الفاقع ومرّة بالرصاص ووسمت الصفحات الأخيرة بقلم أزرق جاف ، الأمر الذي تمالكت نفسي عن القيام بها هو مراسلة الفتاة كي اسألها كيف حافظت على الكتاب نظيفاً وخالِ من أي تخطيط أو وسم. بينما كدت أن استعمل أحمر شفاهي حينما فقدت الأقلام التي تتحول بقدرة الله الى أفاعِ وتزحف تحت الأرائك وخلف الخزائن.

لا أعرف ان كان تبدو هذه التدوينة كمراجعة للرواية وفكرت أن وضع اقتباسات منها ستجعلها تبدو كذلك !

” البشر لا يولدون دوما يوم تلدهم امهاتهم، وانما تجبرهم الحياة على ولادة أنفسهم بأنفسهم ثانية ولمرات عديدة”

“المرء يتعلم اللغات حين يريد أن يبيع، أما حين يريد الشراء فالجميع يفهمونه كيفما كان”

“كل امرئ هو سيد موته، والشيء الوحيد الذي بالإمكان عمله عندما تحين الساعة هو مساعدته على الموت دون خوف أو ألم”

“لا أحد أكثر عملية ولا حجارين أكثر إصرارًا ولا مدراء أكثر نباهة وخطرًا من الشعراء”

“كان عليه ان يعلمها التفكير بالحب على انه حالة غير وسيطة لأي شيء، بل هو منشأ ومستقر بحد ذاته”

هل وصف حالتك ماركيز بأي من هذه الاقتباسات؟

محظوظ ان أجبت بنعم وان نفيت ذلك فربما ستجد ضالتك في تدوينة قادمة لكتاب جديد 🙂

هيفاء

10 اغسطس 2022

فقاعة عُمرها طويل.

الأيام التي تكون خفيفة أكثر مما يجب، لا أعتقد أني أعيشها..غالباً ما أدفع ناحيتها برياح أخفّ من أن تحملني.

بدأ يومي متأخراً في الظهيرة فاتر وله لون الغروب الستائر مزاحة لكن شيء ما يمنع النور من التسرّب بداخلي أكملت العمل المُسدى إلي بخطواتِ ثقيلة حاولت أن أحدث فرقاً بالموسيقى لكن الخطوات تهادت أكثر فأغلقتها.

عبر المساء وانسدل الظلام فرحبتُ به على غير العادة كنت قد نويت الذهاب لمشوار مؤجل ولكن القيادة ليلاً في الشوارع المزدحمة لا تشبهني. أعتقد اني لو عشت في فيلم ” I Am Legend” لن يرعبني الأمر، النهار للمشاوير والتسوّق والنزهة والليل لرواية القصص و سماعها أو مشاهدتها هكذا تبدو الحياة بالنسبة لي.

بدأ المساء وديعاً وصامتاً سمح لي بأن ألقي قوارب القصص فيه وأن أبحر بلا تخطيط تجاه الضفّة الأخرى.

قصتي الأولى كانت مع الفيلم التركي في Netflix ” قيامة الحُب” أجواءه الهادئة انسابت بخفّة بداخلي رغم ضجيج الأطفال و شجاراتهم الكثيرة سحبني إليه كفراشة ضوء. خدّرتني خصلات شعرها المتطاير في الهواء، تسلل إلي نسيم البحر و حينما مشوا ليلاً على الشاطئ كان المنظر يبدو وكأنه أُخذ من حلم صبيّة. لست متأكدة من كونه مشهدًا حقيقيًا لأن القمر كان ضخًما أكثر مما يجب وعينيها تومض بسحر لا أستطيع تصديقه.

الموجُ هادر من حولي لكن داخلي ساكن بشكل يخيفني، أخاف من هدوئي غالباً لأن الدويّ بعده يكون حاداً ويخدشُ الحيطان، لذلك اعتقدت أنه لازال هناك متسع لقارب حكاية أخرى. مساحة إضافية تكفي لصنع كعكة ماربل تقليدية وخطرت لي فكرة مزج الخليط الأبيض بمسحوق الكريم كارميل، هل فكرت بأن أتفوق على كعك “ساريتا” ؟

لا أعتقد أني جدّية في هذا الأمر فالأخير ممزوج بذكريات الطفولة واحتفالات نهاية العام في ظهيرة مدرسية وبزينة بلاستكية على طاولة مطبخ في حوش الجيران.

أمور جنونية تحدث من حولي ولكني أخترت بشجاعة مؤقتة أن لا أفقأ فقاعة الصمت والسكون التي تُحيط بي. في طفولتي كنت أحب صنع الفقاعات الصابونية لأراقب تموجات الألوان على سطحها. تدهشني قدرتها على التشكّل السريع قبل أن ينتهي عمر الفقاعة و تنفثئ في وجهي.

القارب الصغير للحكاية الأخيرة الذي يحاول العبور لن يستطيع العوم كثيراً لأني هممت في إشعال البخور وترتيب الأواني في غسالة الصحون قبل أن أبدأ في صنع الكعكة ثم تراجعت عن إشعال الفحم لأن رائحة البيت انتعشت اقليلاً من عباءتي الرطبة التي نشرتها قبل قليل في المستودع رائحة الصابون السائل الذي حصلت عليه من متجر التخفيضات ليست مزعجة كما كنت أتوقع، لذلك قررت أن تمضي الساعات وانا محاطة بفقاعة صمت أستطيع شمّ رائحتها.

ماذا لو أضفت القليل من مسحوق جوز الهند مع الماربل كيك؟ هل سأنجح حينها في صنع ذاكرة شميّة لأطفالي؟ سأحاول أولاً أن أتمسك بسكوني رغم أن الموج الهادر لم يعد يكتفي بأقدامي يحاول أن يسحبني إلى مزاج لا أحبّه.

أنشر الآن وفي يدي كوب أصفر يحمل آثار قهوة سوداء وطبق بيضاوي به فتات كعك، ومزاجي غارق في الظلمة مُحاط بالزبد.

في ليلة صيفية ماطرة من مدينة جدة

5 من أغسطس2022

أيامنا الحلوة!

لقد ابتعدت لفترة ليست بالقصيرة عنّي وعرفت كيف يكون حال الإنسان وهو لا يمتلك صباحه وكيف يركض كل يوم وهو مغلول بقيود عمله.

في آخر أيام شهر رمضان المُبارك وبينما كنت أرتب أمور عيد الفطر وأقضي ساعات الخلوة مع المجلد الأول من سلسلة ” الفرج بعد الشدّة” رنّ هاتفي برقم غريب، كانت مكالمة تعرض عليّ العمل ككاتبة محتوى في “موسم جدة” !

كان العرض غريباً ومبهراً ويبدو أنه سيكون قفزة طويلة في مجال عملي الحُر إن شاء الله، قبلتُ العمل وابتدأ الركض والقفز وتخطي الصعوبات بمتعة حيناً وبسقوط يدمي كفّ اليدين حيناً آخر.

أميل للكتابة الأدبية وتعلمت القليل عن التحرير أثناء عملي السابق مع فريق سرد أدبي ، وأحسن الكتابة التسويقية ربما لأني كنت مدمنة على مجلات أيكيا منذ الصغر وأتأخر كثيراً في الاستحمام لأني أقرأ ما يكتب خلف الشامبو وعلب الصابون ومساحيق الغسيل.

لازالت رزانتي موجودة وواضحة على النصوص التي قمت بكتابتها للمتاجر كوصف لمنتجاتها وجليّة في كتاباتي للنشرات الأسبوعية على البريد الإلكتروني مع بودكاست جريد وقد أظهرت بعض الظرافة في كتابة سيناريو لفلم أتمنى أن أراه يعرض قريباً على الشاشات.

لكني خلعت القبعة وقفازات الدانتيل وتحررت من كل أنماط شخصيتي التي أعرفها بدءاً من اللغة المستخدمة والأسلوب واستخدام الرموز التعبيرية التي لا أحسن استعمالها في محادثات الواتساب في الكتابة وأصبحت أكتب بشكل ترفيهي ومرح ليتناسب مع صوت الموسم.

كان الأمر مجهداً قليلاً على الجانب النفسي، ولكن إصراري على النجاح بشكل يرضيني منعني من الانهيار ووجود أصدقائي وعائلتي المساندين وثقتهم أظلتني من العواصف وبقيتُ ثابتة رغم لحظات الارتعاد.

كانت التجربة ممرًا جديدًا وغريبًا على كافة الأصعدة.. الكتابة بشكل بهلواني رشيق والعمل حضورياً في بيئة مختلطة والاعتماد الذاتي في القيادة لشمال جدة يومياً بعدما كانت مقتصرة على الأحياء القريبة وبشكل متقطع، كل هذا لابد أن يكون جنباً إلى العناية بأسرتي والحرص على عدم اختلال توازن أي كفّة على الأخرى..

عملي لمدة 8 ساعات يومياً لمدة شهرين وبلا إجازات جعلني أسافر عن جسدي وعقلي وكتبي.. كان التوقف جانب الطريق والاستمتاع بالتشيز برجر الساخن يضخ في عقلي خدر أحتاجه بعد أن تلون دمي من احتساء أكواب عديدة على القهوة أثناء الكتابة المتواصلة.

انقضت الشهرين منذ مدة بسيطة ولعل قفزتي الأخيرة كانت الأصعب وذلك لأنه كان لابد لي من الجلوس في عالم كان غريباً عني العالم الذي جمعني مع مشجعي فرق الكيبوب الكورية “لأصيد جوّهم ” مثل ما يقولون! وأكتب عبارات تشويقية تهز قلوبهم حماساً لحضور الفعاليات الختامية للموسم.

لقد استعدت نفسي الآن بعدم قضيت وقتاً لا بأس به في ترتيب رفوف عقلي وأعدت مشاعري لأماكنها ومشيت الهوينا بعد أن قفزت كثيراً .

وتلبية لنداء تنبيه الكتابة لمدونتي التي تجاهلتها طويلاً أعود وبصحبتي كتاب جيّد وموسيقى جميلة وصباحُ رحب يسع أجنحتي الكثيرة ويتيح لها الشعور بخفّة الطيران.

الخميس

14 يوليو 2022