شارع فاير فلاي

عن الصداقات الممتدة بالرعاية والمصاعب المحفوفة بالأمل، عن الأماني المحلقة فوق أسطح المنازل والأيدي المتشابكة في الطرقات الطويلة، عن الأيام القاسية والأعوام المدببة التي وخزت الفؤاد. عن كل الأشياء التي جمعت “تالي هارت” و “كيت مولاراكي” في البوم صور لعقدين من الزمان..

في يوم بطيء الرتم وحينما كانت الحياة تستعد للنهوض من بعد أزمة الكورونا.. ولسبب وحيد هو إعجابي بتمثيل كاثرين هيقل اخترت ان أشاهد ماذا تفعل هذه الحسناء في شارع ممتلئ بالحشرات التي تضئ ليلاً. خمسة عشرة دقيقة أولى كانت كفيلة لجذبي لمشاهدة الموسم الأول كاملاً. ثم صرفتني الأيام وبعثرني الانشغال الى أن قررت مشاهدة الجزء الثاني في الشهرين الماضيين بصفة متقطعة وهي العادة التي لم أستطع تغييرها منذ أن بدأت تحميل المسلسلات عن طريق التورنت في زمن dsl والمنتديات.

 يعرض المسلسل على شبكة النتفلكس الآن، ويتكون من جزئين مدة الحلقة الواحدة منها يصل الى 45 دقيقة تقريباً، يعاصر الفلم حياة كيت وتالي منذ المراهقة الى يصلوا الى منتصف الأربعينات في العمر، تتنقل المشاهد ما بين الماضي والحاضر بطريقة فنيّة تبقي المشاهد حاضراً في الوقت والزمان مما يجعله يمسك بزمام الأمور ولا يشعر بالتيه وهنا تكمن المتعة بالإضافة للواقعية وجودة التصوير وملائمة الملابس.

تبدو الشخصيات مألوفة ومتوقعة ولكن الأمور لا تبدو كذلك حينما تُظهر شخصية كيت اللطيفة البريئة عن أحقاد صغيرة وغيرة زاحفة ومقارنات تهتك نسيج الصداقة المتين. نهاية المسلسل غير متوقعة وممتلئة بالمشاعر والمواقف التي يتمنى المرء فيها أن يقبض بيده على الحياة.

في هذا المسلسل ستعرف أن الصداقة هي من أجمل الأشياء التي نعيشها ولكنها للأسف ليست دائماً مستمرة، وقد نحزن حينما تضمر أطرافها  وتتساقط أوراقها وتصاب بالبرود والفتور ويمضي كل واحد في طريقه، ولكن المؤلم هو أن تنتهي هذه الصلة الوطيدة بمجزرة عاطفية تفطر الفؤاد وتخنق الانفاس.

نريد أن نتفادى هذا الألم ونريد أن نحمي رابط الصداقة من سكين الفراق كيف لنا أن نحافظ عليها بدون أن تصدأ ونحتفظ بلمعانها العمر كله؟ أو حتى كيف نفترق بلا دماء ولا أحقاد ولا مشاعر ممزقة.

ما لاحظته هو أن الفراق يحدث غالباً نتيجة مواقف متراكمة أو نضوج ووعي يتبلور بطيئاً على مدى الأعوام يسبق غالباً فيها احدى الصديقين الآخر، أو نتيجة عيوب تقرر أن تتضح فجأة ويصعب على الآخر المضي قدماً معها، أو ربما ضغوط اجتماعية وعملية أو مكانية تفرق توئما الروح وتحيلهما الى غريبين بلا أسف أو ندم.

هل لديك صديق دامت عشرتكما لوقت طويل ثم شعرت فجأة أنه لم يعد يشبهك؟ هل شعرت بأنك مغدور أو مصاب بالخيبة حينما رحل عنك أو شعرت بأنك لئيم عندما تعيش في صراع فكرة الابتعاد عنه؟

في أعوامي الماضية كنت أقبض بكامل قوتي على سواعد أصدقائي وأن تخلخلت خطواتهما في المضيّ الى الأمام استخدم كامل قوتي في الإسناد والإمساك والدفع وان تطلب الأمر غرس الأظافر وعض النواجذ للاحتفاظ أفعلها ولا أتردد.

كنت دائمًا أشعر بمسئولية الوفاء وآخذ على قلبي مسئولية الاحتمال وامتصاص الصدمات ولا أندم ولن أندم لأني الله أكرمني بصداقات ماسيّة لا تصدأ بالبعد أو المواقف ولم تتلفها رطوبة الأيام، وان حصل وتخليت أو تم التخلي عنيّ فأنا الآن أتقبل بصدر رحب وأفسح الطريق . لم أعد أرغب في سد ثقوب الغياب مرة أخرى سأدعو النسيم الجميل للعبور وللذكريات البيضاء النقيّة حرية التجوّل في الروح .

ولكني أرغب في طرح حلول لمن يشعر بأن صديقه لما يعد مناسباً أو يشعر بأنه يفضل الابتعاد أو تم الابتعاد عنه من الطرف الآخر.

  1. حاول ألا تحرق كل الجسور التي عبرتم بها سوياً وإن تعرضت للإساءة فانسحب ببطئ الى الوراء، حافظ على بياضك وان آلمك الاتهام او شطرتك الكلمات الى نصفين. وان شعرت انه يبحث عن أسباب للفراق لا تدعه يجدها، غادر بسلام.
  2. اترك له حرية اختيار الوصل والبعد، لتكن الأعياد والمناسبات والواجبات هي فرصة التلاقي، ولا تنسى ألا تمتعض حينما ترى أحداً يأخذ مكانك فأنت حتماً ستجد من يحل مكانه أيضاً.
  3. احتفظ بأيامكما الجميلة كماهي ولا تشوهها بتذكر المساوئ ولا تجعلها في حائط تبكي عليه أيامكما السالفة، امضي للأمام بوجه مشرق وقلب قوي وثقة بأن الله سيصنع لك حاضر أجمل.

لم أكن حكيمة في يوم ما ولا زلت حتى هذه اللحظة أفتقر لذلك ولكني مررت بتجارب كثيرة. فارقت صديقات بصمت وانسحاب غامض ولازالت الأسباب حتى هذه اللحظة مبهمة. ولكني أسامح واحتفظ في ذاكرتي برنين الضحكات العالية التي جمعتنا وأدعوا لهن بالخير، لم أعد أحمل قلبي ثقلاً ولا أطالب بتفسير فمصير النجوم هي الافتراق والاحتراق في مجرّة الكون الشاسع.

هل استمتعتم بالتدوينة؟ شاركوها الأصدقاء من فضلكم، وزر المتابعة سيمكنكم من قراءة الجديد في الأيام القادمة

وكالعادة أحب أن أتذكر معكم وآخذ اقتراحاتكم في التعليقات بشأن الكتب التي تتحدث عن الصداقة والأفلام التي تحكي عن قصة عظيمة أو مسلسل دافئ كشارع فاير فلاي.

هيفاء

16-يوليو -2023

3 رأي حول “شارع فاير فلاي”

  1. تدوينة دافئة يا هيفاء رغم كل الألم..
    تابعت المسلسل وبقدر ما كانت تزعجني عشوائية وتهور تلي بقدر ما أزعجتني سلبية وضعف كيت .. الأولى أستطيع فهمها لأنها تحاول دفن ألمها والتظاهر بالقوة ,, أما كيت فهي مثل اللغم التائه لا تعلم متى ينفجر!
    وحول الأصدقاء .. منذ أن استوعبت حقيقة أن البشر راحلون وكل منهم له دور يؤديه بحياتك لم أعد أتمسك بأحد.. هم جزء من القصة الأساسية التي بطلها الوحيد هو الإنسان نفسه.
    اقترح لك مشاهدة مسلسل صديقتي المذهلة وقراءة الرواية إذا أمكنك، كون كل جزء من المسلسل يمثل كتاب عن صداقة امتدت من عمر السادسة إلى الستين .. من أجمل ما قرأت وشاهدت من القصص التي تعرّي النفس البشرية

    إعجاب

  2. رائع جداً
    اقراء كتاب هذا الشهر فصل كامل عن الاصدقاء، واضح وجميل مليان تفاصيل دقيقة ومشاعر عميقة حشارك بوست لتخليص هذا الفصل💖

    إعجاب

أضف تعليق